تبدو الجهة كحلقة وصل بين الدولة والجماعات فيفترض في الدولة أن تهتم بالقضايا الكبرى مثل الأمن والدفاع والصحة و السياسة الخارجية، أما الجماعات فيستحسن أن تنهض بقضايا القرب مثل توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل، والتجهيزات الجماعية إلخ. أما الجهة ونظرا لمساحتها الجغرافية ومؤهلاتها فإنها تظل الإطار الملائم للتنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
وقد شكلت التنمية هاجسا لكل دول العالم باعتبارها آلية لتحقيق الإستقرار السياسي والإجتماعي، وتعددت نماذج التنمية غير أنها لم تأتي بنتائج إيجابية إلا إذا كانت نابعة من الخصوصيات المحلية.
فلا غرابة أن تتجه دول العالم كلها إلى الأخد بنظام الجهوية كل حسب معطياته التاريخية والسياسية والإقتصادية، فهناك دول مثل إسبانيا وألمانيا قطعت أشواطا متقدمة في الأخد بنظام الجهات، وهناك دول أخرى مثل المغرب الذي عقد على إقرار نظام جهوي لإعطاء نفس جديد للنمو الإقتصادي والإجتماعي والثقافي و السياسية.
إن العمل بنظام الجهات لا يعد حديثا بالمغرب فقد أعطى المستعمر الفرنسي للجهة طبعا عسكريا محضا حين عمد إلى تقسيم البلاد إلى جهات ومناطق عسكرية تمكنه من إستغلال خيرات البلاد والتحكم فيها أمنيا وعسكريا، أما بعد الإستقلال فلم تنل الجهة المكانة التي تستحقها، فبقيت محصورة في ما سمي بالمناطق الإقتصادية وفق الظهير المؤرخ في 16 يونيو 1971، الذي قسم البلاد إلى سبع مناطق جهوية ذات طابع إقتصادي وأوكل لها مهام دراسة وفحص مشاريع التنمية الإقتصادية.
أما الفضل في الإرتقاء بالجهة إلى مستوى جماعة محلية فيرجع إلى دستور 1992 الذي اعترف لها بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي والإداري لكنها لم تحضى بنص قانوني خاص بها ينظم اختصاصاتها ومصادر تمويلها ويحدد علاقتها بباقي الجماعات الأخرى إلا بعد المصادقة على دستور 1996.
وفي هذا السياق صدر القانون المتعلق بتنظيم الجهات لسنة 1997 ليمنح الجهة إيطارا خاصا بها، لكن هذه التجربة الجهوية لم ترقى إلى مستوى التطلعات التي حددت لها ولا إلى مستوى الأمال التي عقدت عليها، وظلت تشكو من عدم قربها من السكان، بفعل الإنتخابات الغير المباشرة الأعظاء مجالسها، ومن عدم تجانس مجالسها جراء الأفاق المتنوعة لأعضائها، فظلا عن شح الموارد المالية وثقل الوصاية و تدخل ممثلي الدولة في شؤونها كنتيجة حتمية لإسنادهم مهام تنفيذ مداولات مجالسها.
إلا أن التجربة أبانت أن الجهة التي أفرزها دستور 1992، وكرستها المراجعة الدستورية لسنة 1996 لم تقم بالمطلوب منها في مجال التنمية الإقتصادية و الإجتماعية.
بحث حول موضوع الجهة بين إمكانيات وإكراهات التنمية, نموذج جهة درعة تافيلالت, لنيل الإجازة المهنية بجامعة المولى اسماعيل كلية المتعددة التخصصات الرسيدية, شعبة القانون العام, مسلك التدبير الموارد البشرية, من إعداد "اجعي اسلام" و"الغازي امحمد" تحت اشراف الأستاذ "عثمان الزياني", 2015-2016.